”حكايات بنات” تبوح بقصص الختان المكتومة وتفضح ”تدليس” المجتمع
الأكثر مشاهدة
هدير حسن- سمر حسن
"أمي اللي بتقول لي لو حد لمس بنطلونك اقتليه قالت لي اقلعي".."حاسة أني مشوهة وبشعة".."الجزء المقطوع لفوه بشاشة وربطوه في دراعي".. "أنا اتلحقت، لكن لسه بارتعش وأعيط كأنها إمبارح".. "بأكره أمي ومش هسامحها دنيا وآخرة"، صرخات مكتومة إثر جراح عملية الختان أفصحت عنها مجموعة من الفتيات، اللاتي تعرضن لتشويه أعضائهن من بين ما يقرب من 92% من سيدات مصر، لصفحة "حكايات بنات-Hekayat Banat Tabtably" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
"حكايات بنات"..مساحة من الحرية للبوح عن آلام "الختان" النفسية
بدأت الصفحة، التي تهدف إلى وجود مجتمع آمن ومفتوح لضحايا الختان والعنف بدعم حقهم في إيجاد الدعم النفسي، بـ "بوست" كتبه الصحفي حسام السكري، الرئيس السابق لبي بي سي العربية (تلفزيون، راديو، أونلاين) على حسابه الشخصي على "فيسبوك" يتناول به قضية الختان، ليفاجأ بعدها بسيل من القصص والتجارب الشخصية لسيدات، وسلسلة مؤلمة من حكايات الختان، التي اعتبرها "صادمة"، وتناولت كيف تم انتهاك أجسادهن برعاية ودعم أقرب الناس "فيه ناس متجوزين عمرهم ما حكوا الكلام ده لأزواجهم أو أهاليهم"، وبعد نحو ثلاثة أسابيع وصلت الصفحة إلى أكثر من ألفي متابع.
في حواره لـ "احكي"، أوضح السكري سبب إطلاقه للصفحة "مكنش ينفع يوصلي الكلام ده وخلاص من غير ما أعمل بيه حاجة" موضحا أن القصص جعلته يشعر بالمسئولية تجاه أصحابها، وتجاه أخريات لم تكن لديهن القدرة على البوح والحكي، خاصة، مع إدراكه لدرجة المأساة التي تعيشها السيدات المختنات، فقرر أن يدشن "حكايات بنات" لتكون مجالا مفتوحا تحكي فيه السيدات بسرية تامة عن تجاربهن الشخصية، وهو يأمل أن يتسع انتشار هذه القصص ليسمعها الناس في ندوات عامة وتتبناها قصور الثقافة في إطار تجارب درامية توسع من دائرة إدراك المأساة.
فتحت الصفحة المجال لوجود مساحة من الحرية في حكي التجارب الشخصية للسيدات اللاتي تعرضن لعملية الختان وكافة أشكال العنف، مع التأكد من الاحتفاظ بسرية هويتهن، فالهدف هو أن يعبرن عن آلام لم يمحها الماضي.
وفور تدشين الصفحة انضم إليها مجموعة من المتطوعين لإدارة محتواها، وتمت مراعاة الخلفيات والتخصصات المختلفة وبناء عليه تم توزيع الأدوار، ما بين تقديم المادة العلمية وخلفيات الموضوع، والرد على الاستفسارات. فهناك تضم الطبيبة المقيمة بمستشفى الطلبة هديرعبدالفتاح، والكاتبة الصحفية آمال عويضة، والمذيعة رانيا بسيوني، والداعمة لحقوق المرأة ميرنا أحمد، والمهندسة نسرين يوسف، والطبيبة هالة عصمت.
"حكايات بنات" تبدأ من البوح لتصل إلى النصيحة والتوعية
تعمل "حكايات بنات" من خلال مجموعة من المراحل، أولها: البوح كخطوة أولى نحو التعافي، وتليه "الطبطبة" بمعنى الدعم المجتمعي والتعاطف الإيجابي من جمهور الداخلين على الصفحة، وصولا إلى النصيحة والتوعية.
وقال السكري إن الصفحة تقدم نصائح للسيدات اللاتي تعرضن للانتهاك وللمحيطين بهن، عن كيفية التعامل مع الأذى والألم النفسي الذي ألم بهن. كما يمكن توصيل الضحية بأحد مراكز الدعم، إذا احتاجت لذلك. وتعمل الصفحة على جذب متطوعين لديهم خبرة في الدعم النفسي لمساندة الحالات المختلفة.
الختان مشكلة حجمها كبير، لم يتم التعرض لها والتركيز عليها بالصورة الكافية، هذا ما أوضحته نسرين، إحدى المتطوعات بالصفحة، " أغلب الناس بتتعامل مع الحالات قبل الختان، ومحاولة منعه، لكن الصدمة اللي بتحصل بعده محدش بيتكلم عنها خالص، فيه قصص أنه واحدة كرهت عيلتها وكرهت نفسها وعندها إحساس أنها مشوهة".
وأضاف "السكري" على حديثها بوجود عدد ضخم من السيدات أصابتهم الصدمة من أثر الختان، ولم يتم التعامل معهن، في حين أكدت هدير، الطبيبة المتطوعة بالصفحة، أن تأثير عملية الختان ليس وقتي، ولا تزيله الأيام والسنوات بدليل رسائل السيدات التي مرّ على إجرائهن للعملية سنوات طويلة تصل إلى عشرين أو ثلاثين عاما. وقالت "كتير متخيلين أنها هتكون مجرد ذكرى في الماضي البعيد، وبتتدفن وتتنسي لكن الحقيقة إنه اللي بيتعملها كده بيكون عندها صورة مشوهة عن نفسها غير مشكلات عضوية تستمر سنوات".
المجتمع يسفه جريمة الختان وينفذها باسم الدين
يرفض السكري ومتطوعو الصفحة الاستهانة والتحقير من قبل المجتمع بشأن حجم الصدمة "مجتمع أجرم في حق 90% من ستاته، فلازم يقولهم إحنا أسفين" معتبرين أن محاولة تبرير فعل الختان هو "تدليس" على جريمة يباركها المجتمع. ومن خلال الصفحة، يتم الرد على هذه الحجج والتبريرات، والعمل على دحض الإدعاءات بأن للختان ضرورة دينية أو طبية، نافين أي صلة للدين بعادة الختان، مع عدم وجود أي دافع صحي لإجرائها، وذلك عن طريق المواد التوعوية ومشاركات الأطباء.
وفي سياق متصل علقت نسرين على اللبس بين الدين والختان: "أغلب عاداتنا وتقاليدنا اليومية نحطها في الدين"، كما عقبت هدير بأن المجتمع مهووس بفكرة العفة والحياة الجنسية للأفراد، مما يدفعه إلى التخفي بالخلفية الدينية لفرض ممارسات خاطئة.
الأمهات يذبحن بناتهن بحجة "ختم العفة"
ـ ليه راجل ياخد الموقف ده؟
ـ عشان راجل
بهذه الإجابة سلط "السكري" الضوء على المشكلة الأكبر بتصور الأمهات بأن الختان هو "ختم العفة" للبنت. ودحض الأفكار التي تسيطر عليهن بأن الرجل يعتقد بأن البنت الغير مختونة مشكوك في سلوكها. لذلك أوضح أن حالات كثيرة تم إجراء عملية الختان لها قبل الزواج مباشرة، وفي هذا الصدد طالب الرجال بأن يكون لهم موقف معلن يرفض الختان وينبه إلى خطورته.
واعتمادا على الرسائل التي تصل إلى مؤسس الصفحة من الرجال، لفت النظر إلى التغيير الذي حدث في تصورهم فيما يتعلق بموضوع الختان الذي يصل أحيانا إلى حد رفض الرجال للزواج بالفتاة المختونة.
"أنا هتجوز ومش عاوز أتجوز واحدة مختونة.. أعمل إيه".
يخشى السكري الرد على هذه الرسالة التي وصلته، لأن الرد قد يسيء إلى الفتيات من ضحايا الختان. ويقولل: "الموقف صعب. ممكن يكون من حقه يعرف، لكن على أي حال الرجالة اللي رافضين الختان لازم صوتهم يعلى."
قصص ما بعد "الختان" هدف "حكايات بنات"
الدعم الذي تقدمه الصفحة هو مساندة نفسية بالأساس، وخلق مساحة آمنة للحكي دون تدخل أو رقابة من أحد. في الوقت نفسه لا ينتوي الصفحة الدخول في أية أنشطة على الأرض سواء أكانت تنسيق مؤتمرات أو المطالبة بتغيير التشريعات والقوانين.
"التشريعات مهمة، لكن مش هي دي قضيتنا المباشرة. نرحب بأن يتبنى الحكايات من يرغبون في تغيير القوانين أو سنها، أو تنظيم مؤتمرات تكون الحكايات محورها".
قالتها هدير وأضافت أن الختان موروث وعادة فرعونية لها جذور، خاصة، في الريف ولم يتم تغييرها بسن قانون. واستشهدت بانخفاض نسبة الختان البطيئة منذ عام 1995، كما نفت محاولة التشبيك مع مبادرات وحملات أخرى، وقالت نسرين بلغة قاطعة "إحنا صفحة على الفيسبوك، وهنفضل صفحة على الفيسبوك، الناس تدخل تحكي وتلاقي اللي يطبطب عليهم ويدعمهم ويسندهم".
وأوضح السكري "معندناش تمويل، ومش طالبين أو منتظرين دعم أو تمويل"، مؤكدا أن رد الفعل المجتمعي الإيجابي هو الأساس في عملية مساندة ضحايا الختان، وأن يكون في شكل المشاركة بالوقت أو الخبرة أو الرأي. فالتطوع هدفه خلق مجتمع كبير داعم لهذه المجموعة، يبدأ في نشر قصص ما بعد الختان في مجاله وبالشكل الذي يناسبه. الهدف هو أن يبادر المجتمع للتخلص من هذه "الجريمة" ويشعر بالمسئولية عن وقفها.
النجاح: إدانة مجتمعية
وفي سياق متصل قالت نسرين:"المجتمع عنده قدرات وواجبات، لكن الفكرة أنك تديله أول الخيط، وأبسط فعل هو المشاركة على صفحات التواصل الاجتماعي" بهدف وقف "هوس" ختان الفتيات، الذي تعتبره الأمهات "رمز العفة"، للدرجة التي وصل إليها الضغط المجتمعي لأن يجبر سيدة سليمة على الرغبة في إجراء عملية الختان لأنها تشعر بـ "الغربة" وسط مجتمع السيدات، حسبما تقول نسرين، ولكن تم إقناعها بضرورة العدول عن هذا القرار من قِبل مسئولي الصفحة.
نجاح الصفحة يأتي، حسبما يرى مؤسسوها، من وجود إدانة مجتمعية واضحة للختان، وعدم استهانتهم بها وإطلاق عليها مسميات أخرى، مثل "تهذيب، حف، خفاض"، ولكن الاعتراف بكونها جريمة نالت عضو كامل خلقه الله، بعيدا عن الألاعيب والحيل المبررة لهذا الفعل، مع التأكيد على أن الصفحة لن تقتصر على حكايات الختان، ولكنها منصة للبوح بأشكال العنف كافة، ومحاولة تقديم الدعم والمساندة.
الكاتب
احكي
الثلاثاء ٢٧ ديسمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا